حديث عن الموسيقى-2- مستويات الاستماع

المقاله تحت باب  في الموسيقى والغناء
في 
28/08/2007 06:00 AM
GMT



ليس كل الناس على مستوى واحد من الإدراك للموسيقى. وهذا يعني بالنتيجة اختلافهم بمستوى الاستمتاع بها. ولكي يقترب الجميع للمستوى الاعلى من الاستمتاع، من الضروري التوسع في فهم ماهية الموسيقى وتفصيلاتها. هناك ثلاث مستويات للاستماع لدى الناس:
1ـ المستوى الحسي
2ـ المستوى التعبيري
3ـ المستوى الموسيقي الصرف
1ـ المستوى الحسي
وهو الاستماع للموسيقى دون تفكير بها ، أي لمجرد التمتع بالاصوات ذاتها. وعادة ، يصاحب هذا النوع من الاستمتاع قيام الشخص بتأدية عمل من الأعمال كالقراءة أو غيرها . وفي هذه الحالة يستسلم بعض الناس حين سماعه للموسيقى الى عالم مثالي ينسوا فيه أنفسهم. وهم يتعمدون ذلك ليهربوا من متاعبهم اليومية ، وهو أدنى المستويات و أقلها استمتاعاً بالموسيقى وإستفادة منها . إذ أن للمستوى الحسي أهمية في الاستماع ولكن ليس كل شئ فيه . ونجد هذا المستوى من الاستماع لدى بعض الناس إذا كانت الموسيقى مصاحبة للشعر [ الغناء] . وهو المستوى الأكثر شيوعاً لدى المستمع العربي والاكثر تشجيعاً من بعض الأوساط الإعلامية المرئية منها خصوصاً .

2ـ المستوى التعبيري :
أي التفكير فيما تعبر عنه الموسيقى خلال الاستماع لها . إن هذا الأمر كان وما يزال مثاراً للنقاشات وللآراء المختلفة . فمنهم من يؤكد على إمكانية الموسيقى على التعبير الواضح ، ومنهم من يجدها مطلقة التعبير . والحقيقة ، أن هنالك سؤالان : الأول ، هل هناك معنى للموسيقى ؟ والجواب طبعاً هو [نعم] . والثاني ، هل يمكننا تحديد هذا المعنى ببضع كلمات دون أن يخبرنا بها أحد مسبقاً ؟ . والجواب لذلك هو [ لا ] . والرأي الأرجح هو أن للموسيقى معنىً عاماً تحدثه لدى المستمع ، ولكن لا يمكن أن يترجم إلى كلمات محددة . ومن الخطأ أيضاً البحث عن معنىً مادياً محدداً للموسيقى . إذ يكفي أن يرسم الإنسان في ذهنه الإطار الشعوري العام الذي يحسه.
وما زلنا نتكلم عن التعبير الموسيقي ، أود أن أسجل الملاحظة التالية ، وهي أن كثيراً من ملحني الأغاني العرب ، لا يهتمون بهذه الناحية ، وأقصد بها الناحية التعبيرية للموسيقى . فنجد نماذج غنائية كثيرة جداً يبتعد فيها التعبير الموسيقي عن معاني كلمات الأغنية ، وهو خطأ كبير .

3ـ المستوى الصرف
وهو إدراك كيان الموسيقى الناشئ عن نغماتها الموسيقية نفسها ، واسلوب معالجة هذه النغمات .
ومعظم المستمعين لا يشعرون بهذا المستوى شعوراً كافياً . فعندما يستمع شخص إلى لحن ما ، فأنه يتذكره حسب إمكانياته ، بعد أن يحكم عليه إذا كان جميلاً أم لا . ويأتي الإيقاع في المرتبة التالية من إنتباه المستمع . أما الهارمونية [ تعدد الأصوات ] والطابع الصوتي ، فهو يسلم بها تسليماً ، وقد لا يستطيع إدراكهما تماماً . أما الأمر الذي لا يخطر ببال المستمع فهو النموذج البنائي للموسيقى .
ولكي نزيد من استمتاعنا بالموسيقى ، من الضروري إدراك المواد الموسيقية وما يحدث لها . فنستمع الى الميلودية [اللحن ] والإيقاع والهارمونية وألوان الأنغام . وفوق هذا ، إن أمكن ، أن نعرف شيئاً عن قواعد بناء النماذج الموسيقية .
ورغم تفصيلنا الاستماع لثلاث مستويات ،إلا أن ما نحتاجه في الواقع هو الاستماع بالمستويات الثلاث في وقت واحد . وهو ما يحدث عندنا بالغريزة دون مجهود عقلي نبذله ، وعلينا فقط أن نزيد من معلوماتنا عن الموسيقى لكي يكون استمتاعنا كاملاً .
ويمكن مقارنة ذلك عند مشاهدتنا للمسرح . ففيه نرى في آن واحد الممثلين والملابس والمناظر والحركات والاصوات . وهو ما يولد عندنا المستوى الحسي للمسرحية . أما المستوى التعبيري
فيتولد من ما يحدث على المسرح بما يثير فينا شعوراً بالمرح أو الهياج أو الحزن من خلال كلام الممثلين [ الحوار ] . أما ما يقابل المستوى الموسيقي الصرف فهو الدراما المسرحية وتنميتها وأسلوب المؤلف في إبتكار الشخصيات ومعالجة المواضيع . إن المشاهد للمسرحية يدرك كل هذه الأشياء في آن واحدة كما المستمع للموسيقى ،لكن الإلمام بما يحيط العمل الفني من الداخل والخارج هو الطريق الأمثل لاستمتاعنا الأفضل .